سلوكيات أطفالنا الغريبة مع الطعام هي أحد أشهر وأقوى أضلاع المثلث الأشهر والذي نطلق عليه: (ولدي والصراعات الثلاث الكبرى والخالدة في حياته: النوم والأكل وقضاء الحاجة).
وما يهمنا الآن هو (ولدي وصراع المائدة الخالد)؛ وسيكون الرد على هيئة تحليل تربوي بسؤال بسيط وجواب أبسط كالتالي:
أولا: ما أبرز أسباب فقد الشهية عند الأطفال؟
1- أسباب مرضية:
بصفة عامة أي مرض بالجسم يؤثر على الشهية؛ مثل: التسنين، التهابات الأنف، التهابات اللوزتين، فقر الدم، التهابات الصدر والرئتين، الأمراض المزمنة بالرئتين والقلب والكلى والكبد وغيرها، وهذه الأسباب العامة تحتاج لزيارة الطبيب لعلاجها في حال وجدت . فإذا قال الطبيب أن الطفل سليم نستبعد هذه السباب ونراجع الأسباب التالية
2- أسباب فسيولوجية:
وهو ينتج عن حرمان الطفل من نعمة الجوع! فالجوع أهم منشط ومنبه للشهية.. فكيف ذلك؟!
- أكل الأشياء المحببة قبل الوجبة الأساسية بمدة قصيرة مثل: العصائر والبسكويت والفواكه والشيكولاتة، لذا يجب أن نمنعها قبل الوجبة بساعتين على الأقل.
- عدم السماح بتفريغ المعدة لمحتوياتها تماما؛ بسبب قصر المدة بين الرضعات أو الوجبات؛ لذا يجب أن نطيل المدة البينية بين الوجبات، فمثلا عند عمر سنة تكون 4 ساعات، وعند عمر سنة ونصف تكون 5 ساعات، وهكذا.
- تناول المواد الدهنية والوجبات الدسمة والتي بها نسبة من القشدة؛ والتي تبقى بالمعدة مدة أطول من غيرها.
3- أسباب نفسية وعصبية:
وقبل أن نعدد هذه الأسباب تذكروا معي حالة أغلب أطفالنا وبناتنا، والتي قد تنطبق معظم هذه الأسباب النفسية عليها؛ وهي (الطفل الوحيد، الطفل المدلل، الطفل العصبي، الطفل المتمرد، الطفل المنطوي غير الاجتماعي، الوالدان العصبيان).
ولا ننس أن من أبرز الأسباب الخفية التي تحرك سلوكيات التمرد ضد الطعام عند الطفل هي وجود أخ أصغر، وتصميم الوالدين على إطعامها ولو بالإكراه.
فتخيلوا أنفسكم لو استضافكم أحد على طعام شهي، وفي يده الأخرى عصا أو سلاح يهددكم به.. فماذا أنتم صانعون؟!
وتخيلوا لو دعيتم إلى "عزومة" واستشعرتم أن أصحاب الدعوة عصبيون ويصرخون وغاضبون!
تخيلوا لو دعيتم إلى "عزومة" وأنتم لا تملكون الشهية لها!
تخيلوا لو أكرهتم على طعام لا تحبونه، وفي وقت لا تقبلونه.. فهل هذه عزومة كريمة أم هو عقاب مؤلم ومقرف وبائس؟.!
لذا فإن من ذكاء هذه الماكرة الصغيرة والتي بدأت باستخدام هذا السلاح الذكي والعجيب؛ وهو (سلاح التمرد الغذائي) لتعطي الجميع الكثير من الرسائل التي يجب على المحيطين خاصة الوالدين فهمها.
ثانيًا: ما هي الرسائل التي ترسلها ابنتنا الصغيرة بسلاح التمرد الغذائي؟
1- أيها الناس.. إني كرهت هذا الطعام.. فكيف أقبل الأكل مع التهديد؟
2- دعوني أتدلل وأملي شروطي على والدتي الحبيبة لأختبر قدري عندها وغلاوتي أكثر من أخي.
3- كم أنا سعيدة بقلق المحيطين وعصبيتهم وخوفهم عليَّ خاصة عندما أضرب عن بعض الأطعمة.
4- لن آكل إلا ما أحبه.. لا ما يحبه الآخرون.. ولو كان على حساب صحتي.
5- إنني أشعر بالقرف من هذه العصبية الوالدية.. دعوني آكل ما أحب وقت ما أحب.. لا ما تحبونه.
6- أيها الأحباب.. إنني أستشعر ثمار انتصاري على والديَّ بهذا السلاح السري والذكي وهو التمرد الغذائي؛ وهو أحد الأسلحة القليلة التي أمتلكها وأواجه بها تسلط وغطرسة وعصبية الآخرين.
ثالثًا: ما هي القواعد الذهبية لمواجهة سلاح التمرد الغذائي؟
على الأم -أو الأب- أن تجيد مهارة مواجهة سلاح التمرد الغذائي، وأن تتقن فن إدارة صراع الطعام جيدا؛ ويساعدها على ذلك الأمور التالية:
1- واجهي المشكلة بالمعرفة الدقيقة بأسباب هذا التمرد الغذائي.
2- واجهي نفسك بمراجعة النفس لمحاولة تجنب أسباب هذا التمرد اللذيذ.
3- ارتقي بثقافتك الغذائية، وذلك من خلال المعرفة الجيدة بالاحتياجات الضرورية من الطعام بالنسبة لكل سن من حيث النوع والكمية، وكذلك بالمعرفة الجيدة بمكونات الوجبات الرئيسية؛ فلا تقدمي في الفطور مكون من مكونات الغداء.
4- نظمي مواعيد الوجبات، فالتغيير يؤثر على الشهية.
5- حددي مدة تناول الوجبات، فمدة الوجبة يجب أن تتراوح بين (20-30) دقيقة بعدها يجب رفع الأطباق، ولا تحاولي أن تتركي المائدة لفترة أكبر.
6- اقتلي الروتينية الغذائية، بمراعاة التنويع اليومي في مكونات الوجبات الثلاث، فالروتينية تؤثر على الشهية.
7- لا تهمليها بالانشغال بالحديث مع الكبار وتجاهل الصغار أثناء الوجبات.
8- حطمي الصمت الغذائي؛ بالحديث المرح الشيق، والحوار الودي مع الأطفال على المائدة، وتجنب الصمت أو مشاهدة التلفاز.
9- احرصي على المشاركة الأسرية؛ فلا يترك الطفل ليأكل وحده.
10- أتقني فن التقديم؛ وذلك بالحرص على تقديم الطعام الجديد أولا، أي قبل ما يشتهونه من طعام.
11- لا تثيري عنادها، أي لا تجبريها على طعام معين، بل اتركي أمامها الأكل فترة الوجبة المحددة، ثم ارفعيها في وقتها دون عتاب أو تقريع.
12- لا تعاقبيها فلا تستخدمي العنف معها؛ فيثير عنادها وكراهيتها للأكل ويربط ذهنها بين العقاب والأكل، أي كلما ترى الأكل أو تشم رائحته تذكر العقاب.
13- عززيها إيجابيا، استخدمي أسلوب الدعم الإيجابي من خلال التشجيع والتقدير والمكافأة الطيبة للاستجابة.
14- تجاهلي عنادها، فإذا رفعت الطعام بعد انتهاء وقت الوجبة ضعيه على ترابيزة بالمطبخ، أي في متناول يدها، ولا تستجيبي لبكائها أو صراخها، فإذا جاعت فستذهب وتأتي بالطعام بنفسها.
15- تمالكي أعصابك، فلا يستثيرك عبثها بالطعام لتعاندك.
16- لا تستسلمي، فستحاول جس نبضك وتعرف نقاط ضعفك وستستخدمها لإغاظتك وكسر مقاومتك، وأساليبها كثيرة ومنها: البكاء ورفض الأكل في موعده والعبث بالمائدة.
17- لا تشعلي التمرد وحب الظهور عندها، فلا تسأليها عن طعم الأكل الجديد إذا كنت متأكدة من طعمه.
18- لا تحاولي إثارة غريزة الرفض، فلا تجعليها تربط بين رفضها للطعام الجديد وتبديله بنوعِ آخر.
19- احتفظي بهدوئك، فهو صراع خالد والمنتصر هو من يصبر حتى النهاية.
20- كوني حازمة، فلا تتراجعي عن خطوة إيجابية قمت بها، ولا يغرنك نداءك الداخلي بالعطف واتهام نفسك بالقسوة، فهي ليست معركة بمعناها المجرد ولكنها خطوة تربوية لمصلحة أحب من وطأ الحصى على قلوبنا، وفلذات أكبادنا.
21- استمطري العون الإلهي، على كل أب أو أم ألا ينسيا هذا السلاح الراقي والرائع لمواجهة أي مشكلة سلوكية عند الأبناء بل لحل كل مشاكلنا وإزاحة كل همومنا وتفريج كل كروبنا، وتيسير كل مصاعبنا، فلِمَ لا نصلي ركعتين في جوف الليل ونناجيه سبحانه بأن يوفقنا في المهمة التي حملنا إياها، فمنها العمل ومعالجة الأسباب الأرضية ومنه سبحانه العون بالتوفيق الإلهي.